فصل: تفسير الآيات (118- 122):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
يجوز في {أن}: أن تكُون المفسِّرة لمعنى الإيحَاءِ.
ويجوزُ أنْ تكون مصدريّةً؛ فتكونُ هي، وما بعدها مفعول الإيحَاءِ.
قوله: {فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ} قرأ العامَّةُ: {تَلَقَّفُ} بتشديد القافِ، من {تَلَقَّفَ} والأصلُ: تَتَلَقَّفُ بتاءيْنِ، فحذفت إحداهُمَا، إمَّا الأولى، وإمَّا الثانية وقد تقدَّم ذلك في نحو {تَتَذَكَّرُونَ} [الأنعام: 152].
والبزِّيُّ: على أًلها في إدغامِهَا فيما بعدها، فيقرأُ: {فإذا هي تَّلَقَّفُ} بتشديد التاء أيضًا، وقد تقدم تحقيقه عند قوله: {وَلاَ تَيَمَّمُواْ الخبيث} [البقرة: 267].
وقرأ حفصٌ {تَلْقَفُ} بتخفيف القافِ من لَقِفَ كعَلِمَ يَعْلَمُ، ورَكِب يَرْكَبْ.
يقال: لَقِفْتُ الشَّيءَ ألْقَفُهُ لَقْفًا، ولَقَفَانًا، وتَلقفتُهُ أتَلقَّفُهُ تَلَقُّفًا: إذا أخَذْتهُ بِسُرعةٍ، فأكَلْتَهُ أو ابْتَلَعْتَهُ.
وفي التفسير: أنها ابتلعَتْ جميع ما صَنَعُوه، وأنشدُوا على: لَقِفَ يَلْقَفُ، كعَلِمَ يَعْلَمُ قول الشَّاعِر: [السريع]
وأنتَ عَصَا مُوسَى الَّتي لَم تَزَلْ ** تَلْقَفُ مَا يَصْنَعُهُ السَّاحِرُ

ويُقَالُ: رَجُلٌ ثقفٌ لقفٌ، وثَقِيفٌ لَقِيفٌ، بَيِّن الثَّقافة واللَّقَافة.
ويُقَالُ: لَقِفَ ولَقِمَ بمعنى واحدٍ، قاله أبُو عُبيدٍ.
ويقالُ: تَلْقَفُ، وتَلْقَمُ، وتَلْهَمُ: بمعنىً واحدٍ.
والفَاءُ في {فإذَا هِيَ} يجوزُ أن تكُون العاطفة، ولابد من حَذْفِ جملةٍ قَبْلهَا ليترتَّبَ ما بعد الفاءِ عليها، والتقديرُ: فألْقَاهَا فإذا هِيَ.
وَمَنْ جوَّز أن تكون الفاءُ زائدةً في نحو: خَرَجْتُ فإذا الأسَدُ حَاضِرٌ جوَّز زيادتها هُنَا.
وعى هذا فتكونُ هذه الجملةُ قد أوحيت إلى موسى كالَّتي قَبْلَهَا.
وأمَّا على الأوَّل- أعني كون الفاءِ عاطفةً- فالجملةُ غير موحى بها إليه.
قوله: {مَا يَأفكونَ} يجوزُ في {ما} أن تكون بمعنى الذي والعائدُ محذوفٌ، أي: الذي يأفِكُونهُ.
ويجوز أن تكُون {ما} مصدرية، والمصدر حينئذٍ واقعٌ موقعَ المفعُولِ به، وهذا لا حَاجةَ إلَيْهِ.
وذلك قولُهُ: {مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} يَجُوز أن تكون {ما} بمعنى الذين، فيكونُ المعنى: بَطَلَ الحبالُ والعِصيُّ الذي عملوا به السِّحر: أي: زَالَ، وذهب بِفُقْدانِهَا، وأن تكون مصدرية، أي: وبطل الذي كانوا يعملونه، أو عملهم.
وهذا المصدرُ يجوزُ أن يكون على بابه.
وأن يكون واقعًا موقع المفعول به.
بخلاف {مَا يَأفكُون} فإنَّ يتعيَّنُ أن يكُونُ واقعًا موقع المفعُول به ليصحَّ المعنى؛ إذ اللَّقْفُ يستدعي عَيْنًا يصحُّ تسلُّطُه عليها.
ومعنى الإفكِ في اللُّغةِ: قلبُ الشَّيءِ عن وجْههِ، ومنه قِيلَ للكذبِ إفْكٌ، لأنَّهُ مقلْوبٌ عن وجهه.
قال ابنُ عبَّاسٍ: {مَا يَأفِكُونَ} يُريدُ: يَكْذِبُونَ، والمعنى: أنَّ العصا تلقَفُ ما يأفِكُونَهُ، أي: يَقْلِبُونَهُ عن الحَقِّ إلى البَاطِلِ. اهـ.

.تفسير الآيات (118- 122):

قوله تعالى: {فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (118) فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ (119) وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ (120) قَالُوا آَمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (121) رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ (122)}

.مناسبة الآيات لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما علم أن ما صنعوه إنما هم خيال، وما صنعه موسى عليه السلام أثبت من الجبال، سبب معقبًا قوله: {فوقع الحق} أي الذي لا شيء أثبت منه، فالواقع يطابقه لأن باطن الأمر مطابق لما ظهر منه من ابتلاعها لأمتعتهم فالإخبار عنه صدق، وفيه تنبيه على أن فعلهم إنما هو خيال بالنسبة إلى ظاهر الأمر، وأما في الباطن والواقع فلا حقيقة له، فالإخبار عن تحرك ما ألقوه كذب.
ولما أخبر عن ثبات الحق، أتبعه زوال الباطل فقال: {وبطل} بحيث عدم أصلًا ورأسًا {ما كانوا يعملون} فدل بكان والمضارع على أنهم- مع بطلان ما عملوا- نسوا علمهم بحيث إنه أسند عليهم باب العمل بعد أن كان لهم به ملكة كملكة ما هو كالجبلة- والله أعلم؛ ثم سبب عن هذا قوله: {فغلبوا هنالك} أي عند هذا الأمر العظيم العالي الرتبه {وانقلبوا} أي جزاء على قلبهم لتلك الحقائق عن وجوهها حال كونهم {صاغرين} أي بعد أن كانوا- عند أنفسهم ومن يقول بقولهم وهوالأغلب- عالين، ولا ذل ولا صغار أعظم في حق المبطل من ظهور بطلان قوله على وجه لا يكون فيه حيلة.
ولما كان الأدب وذل النفس لا يأتي إلا بخير، لأنه اللائق بالعبيد، قاد كثيرًا منهم إلى السعادة الأبدية، فلذلك قال: {وألقي السحرة} أي ألقاهم ملقى الخوف من الله والشوق إلى الخضوع بين يديه والذل لديه حين عرفوا أن ما فعله موسى عليه السلام أمر سماوي، صدق الله تعالى به موسى عليه السلام في أنه رسوله، ولم يتأخروا بعد ذلك أصلًا حتى كأنهم خروا من غير اختيار {ساجدين} شكرًا لله تعالى وانسلاخًا عن الكفر ودليلًا على أقصى غايات الخضوع، فعل الله ذلك بهم حتى تبهر به فرعون وملأه وتحير عقولهم.
ولما كانوا بمعرض التشوف العظيم إلى معرفة قولهم بعد فعلهم، أخبر عن ذلك سبحانه بقوله: {قالوا} أي حال إلقائهم للسجود {آمنّا} أي كلنا {برب العالمين} أي الذي خلق فرعون ومن قبله وما يعيشون به؛ ثم خصوا من هداهم الله على أيديهما تصريحًا بالمراد وتشريفًا لهما فقالوا: {رب موسى} ثم أزالوا الشبهة بحذافيرها- لأن فرعون ربما ادعى بتربية موسى عليه السلام أنه المراد- بقولهم: {وهارون} وفي الآية دليل على أن ظهور الآية موجب للإيمان عند من ظهرت له، ولو أن الرسول غير مرسل إليه. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

ثم قال تعالى: {فَوَقَعَ الحق} قال مجاهد والحسن: ظهر.
وقال الفراء: فتبين الحق من السحر.
قال أهل المعاني: الوقوع: ظهور الشيء بوجوده نازلًا إلى مستقره، وسبب هذا الظهور أن السحرة قالوا لوكان ما صنع موسى سحرًا لبقيت حبالنا وعصينا ولم تفقد، فلما فقدت ثبت أن ذلك إنما حصل بخلق الله سبحانه وتعالى وتقديره، لا لأجل السحر، فهذا هو الذي لأجله تميز المعجز عن السحر.
قال القاضي قوله: {فَوَقَعَ الحق} يفيد قوة الثبوت والظهور بحيث لا يصح فيه البطلان كما لا يصح في الواقع أن يصير لا واقعًا.
فإن قيل: قوله: {فَوَقَعَ الحق} يدل على قوة هذا الظهور، فكان قوله: {وَبَطَلَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} تكريرًا من غير فائدة!
قلنا: المراد أن مع ثبوت هذا الحق زالت الأعيان التي أفكوها وهي تلك الحبال والعصي، فعند ذلك ظهرت الغلبة، فلهذا قال تعالى: {فَغُلِبُواْ هُنَالِكَ} لأنه لا غلبة أظهر من ذلك {وانقلبوا صاغرين} لأنه لا ذل ولا صغار أعظم في حق المبطل من ظهور بطلان قوله وحجته، على وجه لا يمكن فيه حيلة ولا شبهة أصلًا قال الواحدي: لفظة {مَا} في قوله: {وَبَطَلَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} يجوز أن تكون بمعنى الذي فيكون المعنى بطل الحبال والعصي الذي عملوا به السحر أي زال وذهب بفقدانها ويجوز أن تكون بمعنى المصدر كأنه قيل بطل عملهم، والله أعلم.
{وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ (120) قَالُوا آَمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (121) رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ (122)}.
في الآية مسائل:
المسألة الأولى:
قال المفسرون: إن تلك الحبال والعصي كانت حمل ثلثمائة بعير، فلما ابتلعها ثعبان موسى عليه السلام وصارت عصا كما كانت قال بعض السحرة لبعض هذا خارج عن السحر، بل هو أمر إلهي، فاستدلوا به على أن موسى عليه السلام نبي صادق من عند الله تعالى، قال المتكلمون: وهذه الآية من أعظم الدلائل على فضيلة العلم، وذلك لأن أولئك الأقوام كانوا عالمين بحقيقة السحر واقفين على منتهاه، فلما كانوا كذلك ووجدوا معجزة موسى عليه السلام خارجة عن حد السحر، علموا أنه من المعجزات الإلهية، لا من جنس التمويهات البشرية ولو أنهم ما كانوا كاملين في علم السحر لما قدروا على ذلك الاستدلال، لأنهم كانوا يقولون: لعله أكمل منا في علم السحر، فقدر على ما عجزنا عنه، فثبت أنهم كانوا كاملين في علم السحر.
فلأجل كمالهم في ذلك العلم انتقلوا من الكفر إلى الإيمان.
فإذا كان حال علم السحر كذلك، فما ظنك بكمال حال الإنسان في علم التوحيد.
المسألة الثانية:
احتج أصحابنا بقوله تعالى: {وَأُلْقِىَ السحرة ساجدين} قالوا: دلت هذه الآية على أن غيرهم ألقاهم ساجدين، وما ذاك إلا الله رب العالمين فهذا يدل على أن فعل العبد خلق الله تعالى.
قال مقاتل: ألقاهم الله تعالى ساجدين.
وقال المعتزلة: الجواب عنه من وجوه: الأول: أنهم لما شاهدوا الآيات العظيمة والمعجزات القاهرة لم يتمالكوا أن وقعوا ساجدين؛ فصار كأن ملقيًا ألقاهم.
الثاني: قال الأخفش: من سرعة ما سجدوا صاروا كأنهم ألقاهم غيرهم لأنهم لم يتمالكوا أن وقعوا ساجدين.
الثالث: أنه ليس في الآية أنه ألقاهم ملق إلى السجود، إلا أنا نقول: إن ذلك الملقي هو أنفسهم.
والجواب: أن خالق تلك الداعية في قلوبهم هو الله تعالى، وإلا لافتقروا في خلق تلك الداعية الجازمة إلى داعية أخرى ولزم التسلسل وهو محال.
ثم إن أصل تلك القدرة مع تلك الداعية الجازمة تصير موجبة للفعل.
وخالق ذلك الموجب هو الله تعالى فكان ذلك الفعل والأثر مسندًا إلى الله تعالى، والله أعلم.
المسألة الثالثة:
أنه تعالى ذكر أولًا أنهم صاروا ساجدين، ثم ذكر بعده أنهم قالوا: {ءَامَنَّا بِرَبِّ العالمين} فما الفائدة فيه مع أن الأيمان يجب أن يكون متقدمًا على السجود؟ وجوابه من وجوه: الأول: أنهم لما ظفروا بالمعرفة سجدوا لله تعالى في الحال، وجعلوا ذلك السجود شكرًا لله تعالى على الفوز بالمعرفة والإيمان، وعلامة أيضًا على انقلابهم من الكفر إلى الإيمان، وإظهار الخضوع والتذلل لله تعالى فكأنهم جعلوا ذلك السجود الواحد علامة على هذه الأمور الثلاثة على سبيل الجمع.
الوجه الثاني: لا يبعد أنهم عند الذهاب إلى السجود قالوا: {ءَامَنَّا بِرَبِّ العالمين} وعلى هذا التقدير فالسؤال زائل والوجه الصحيح هو الأول.
المسألة الرابعة:
احتج أهل التعليم بهذه الآية فقالوا: الدليل على أن معرفة الله لا تحصل إلا بقول النبي أن أولئك السحرة لما قالوا: {ءَامَنَّا بِرَبِّ العالمين} لم يتم إيمانهم فلما قالوا: {رَبِّ موسى وهارون} تم إيمانهم وذلك يدل على قولنا.
وأجاب العلماء عنه: بأنهم لما قالوا: {ءِامَنَّا بِرَبِّ العالمين} قال لهم فرعون إياي تعنون فلما قالوا: {رَبِّ موسى} قال إياي تعنون لأني أنا الذي ربيت موسى فلما قالوا: {وهارون} زالت الشبهة، وعرف الكل أنهم كفروا بفرعون وآمنوا بإله السماء، وقيل إنما خصهما بالذكر بعد دخولهما في جملة العالمين لأن التقدير آمنا برب العالمين، وهو الذي دعا إلى الإيمان به موسى وهرون.
وقيل: خصهما بالذكر تفضيلًا وتشريفًا كقوله: {وملائكته وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وميكال} [البقرة: 98]. اهـ.